التقنية

التحرش الجنسي ، وتأنيب الضحية ! فما المسببات والحلول؟!

ان التحرش الجنسي أزمةٌ باتت شائعة، منتشرة بطريقةٍ لا بدّ من الحد منها؛ إذ لم يعد التحرش مقتصر على المناطق التي ينخفض فيها مستوى التعليم، ولا على مناطق الأرياف بصفتها الأكثر انزواء وخوف من هكذا ظواهر وأحداث، ولا على المدن الكبيرة التي فيها كلُ صور التقدم والحضارة، إذ لم يعد هناك فرق بين صغيرة وكبيرة، بين محجبة وسافرة، كلهن يتعرضن له، وما يورقُ الجفن، ويضيقُ عليهن العيش هو الخوف الذي غرس في قلوبهن، هو الصمتُ الذي به يضنون أنهنّ قد نجون، هو القبول خوف الفضيحة التي نسبها المجتمع للضحية وجرد الجاني من ذنبه، لا أحد يتطرق إلى أسبابها، يتعمق في تحليلها، ليصل إلى العلاج الصحيح، الذي يعالج جذور المشكلة ونتائجها وتداعياتها في آن واحد، دون إفراط بحق المجني عليها ولا تقصير بعقاب الجاني.

حين تم إهمال المشكلة الرئيسية، وإلقاء اللوم على الضحية، ضاع الحق، تبخر الإنصاف وتلاشى، أصبح البوحُ ذنبٌ ستحملهُ من لا ذنب لها، بحُجة أنها من سببت لنفسها هذا الأذى، حجةٌ واهية لا صواب فيها، كلامهم إنها بما ترتدي من ملابس سبب لفضيحة جلبتها لنفسها وهمٌ يخدعون به أنفسهم، ويعطون للمذنب مبررًا ليتمادى في جريمته، وليؤذي بدل الواحدة الكثيرات، تناسيهم أن الأذي قد يلحق بمن هن لهم بناتٌ وزوجات وأخوات، يجعلُ الخطر يتفاقم، والكارثة تنالُ الجميع دون استثناء، حججهم جعلتهم يتناسون أن هؤلاء الذئاب لا يفرقون بين ملتزمة بالزي الشرعي وغير الملتزمة، وإن كان تعرضهم لغير الملتزمة أكثر بالطبع، إلا أنهم يتعرضون أيضا للمحجبات والمنتقبات، وفي هذا خير برهان أن الفتاة لا تتحمل المسئولية وحدها.

أولئك الذئاب البشرية هم من أنشأهم مجتمعٌ يعطي للشاب الحق بالتجاوز بحجة أن لا شيء يعيبه، مفهومُ التربية هذا مفهومٌ أنشأ شباب ينقصهم الخُلق، تعوزهم التعاليمُ الدينية، هذا الاسلوب أنشأ شباب متمردون لا على تعاليم الشريعة وحسب بل على العادات والتقاليد التي تستوجب احترام المرأة وعدم التعرض لها، هذه التربية التي تفتقدُ لمفهوم التربية الصحيح أنشأ نموذج من الشباب تُعابُ به أوطاننا وتُذم، هذا النموذج هو خللٌ في الأهل قبل الولد، فلو تربى الشاب على القيم، على أن أعراض الناس لا تُداس، وعلى أن النساء هن شقائقُ الرجال ونصفُ المجتمع وأساس في تقومه ما كانوا شوهُ تعاليم شريعتنا، ولا اعطوا للمجال للأمم الأخرى بأن تنتقدنا، إن المحاولات المستميتة من قبل البعض بتحميل الفتيات وحدهن المسئولية الكاملة عن تلك الجريمة، هو فشلٌ ذريع لعلاج الجريمة، هو ظلمٌ يزادُ بفعله الجاني تجبر، وتزدادُ منه الضحية معاناة.

بين الرأي العام الذي يُحملُ الفتاة بتصرفاتها وطريقة ارتداء ملابسها الذنب وبين المنظمات المعنية بحقوق المرأة والتي تدعوا إلى حرية المرأة بفعل ما تريد، تكمنُ الفجوة؛ إذ أن هذا التضاد ينشأ مفهوم خاطئ بعيدًا عن التوازن والتوسط والإعتدال، إن علاج المشكلة يتطلب تفكير علمي وفق أسس تطبقُ على الجميع، تبدأ بدراسة أسباب المشكلة ونتائجها وخطورتها، ثم البحث عن حلول تتناسب مع طبيعة المجتمع وتقاليده والأحكام التي تقيده، للوصول إلى حلول ترضي الجميع ولا تعطي الحق لأحد على حساب الآخر، حلول تعالج المشكلة من جذورها لا حلول مسكنه ومؤقتة، إن جريمة مثل جريمة التحرش تحتاج لتعاون وجدية في العلاج، فالصمتُ سيودي بكوارث ما انزل الله بها من سلطان.

المجتمع والإعلام والمؤسسات التربوية كلهم مسئولون عن هذه الجريمة بشكل أو بآخر؛ المجتمع حين لا يُنصفُ الضحية، ويوشمها بالفضيحة لذنب ما اقترفته، والإعلام حين لا يتطرقُ لمثل هكذا محاور، ولا يسلطُ عليها الضوء، لتنال نصيبها من الإهتمام والعلاج، والمؤسسات التربوية بدءا من الأسرة إلى المدرسة والجامعة حين لا تقوم بترسيخ قواعد تربوية على الشباب والشابات على حد سواء، حين لا يعطي الشاب الحق في الخطأ فقط لكونه خُلق ذكر، ويلقي اللوم على الفتاة فقط لكونها أنثى، جميعهم شركاء في الجريمة، فالساكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس.

أهم أسباب التحرش: 

إذا فكرنا خارج الصندوق وأخرجنا أنفسنا من ضيق التفكير وقصوره، إذا فكرنا بشكل نرجوا من خلاله علاج هذه المشكلة بشكل حقيقي ودون أي تحيز لجانب على حساب الآخر نستخلص هذه الأسباب:

1- فصل الدين عن الحياة: إذ أننا ومنذ أن جعلنا الدين في جهة بعيدة عن الحياة تاهت بنا السُبل فانتشر التبرج، الملابس الغير لائقة، وغيرها من وجوه الفتنة التي لا يمكن أن نتغاضي عنها، لا نبرر التحرش ولكن التقييد والحشمة ليست دين فقط بل خُلق، وإن أردنا القاء نظرة على دول العالم الأول كما تُسمى نظرة حقيقية سنرى ما يذهل؛ هناك يرون اللباس المحتشم خُلق وأن التبرج واللباس الغير لائق هو حصري لأولئك الذين يقطنون النوادي الليلية، إن كان هذا حالهم وهم ليسُ بالمسلمين فما شأن الذين اخذُ الإسلام هوية ودين، فاللباس الفاضح من الطبيعي والمنطقي أنه يثير غرائز الشباب وشهواتهم، خصوصًا عندما يقترن بالصوت العالي والإيحاءات الجنسية، وعدم التزام الشباب بغض النظر وحفظ النفس بعيدًا عن ما من شأنه تأجيج شهواته هو أيضًا خروج عن أمر الله، وتجرد من شريعته، لذلك فصل الدين عن الحياة خيارٌ خاطئ ومنطقٌ لا منطق به.

2- مشاهدة ما فيه فتنة وإثارة للشهوات: إذ أنه ومع ظهور التكنولوجيا التي جعلت من العالم بوابةٌ لا مفتاح لها ومع سوء التربية وانعدام الرقابة الأسرية، وكذلك المؤسسة التعليمية التي لم يعد لها دور يذكر في الجانب التربوي، والإعلام الفاسد المضل الذي يصور الحلال حراما والحرام حلالا، والخلق السيئ حسنا والحسن سيئا، صار الإقبالُ على المشاهد التي فيها خدشٌ للحياء وإثارةٌ للشهوات كبيرة لدرجة الإدمان.

3- البطالة التي يعيشها الكثير من الشباب، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فقلة فرص العمل وإشغال العقل والجسد بما يفيده جعلت من الشباب فريسة سهلة للإنحراف والخروج عن الطريق الصواب.

4- تعسر الزواج: إذ أصبح الحلال صعب وزين الحرام بكل ما هو سهلٌ متاح، إذا خرجنا عن مقصد الزواج إلى بهرجة زائفة، فبات الزواج وخاصة في وقتنا الحالي معضلة لا يقدرُ على حلها الكثير من الشباب.

إليكم الحل :

الحلُ يكمنُ بين الحروف، فإن تمعنت بما كتبت ستجدُ أن الحلول موجودة ولكن تحتاجُ من يجرب وينفذ، وإليكم بعض الحلول:

1- التربية القويمة التي تنشأ أجيالًا ذوي خُلق، لا يقبلون الحرام ولو قُدم لهم على طبق من ذهب، ولا يستبدلون الحلال بنهر على جانبيه يفيض الذهب.

2-الدين جاء ليحمينا من أنفسنا لا ليُبيد حياتنا ويطليها بالسواد، الدين رحمة ووسطية، فإن لم يردعك الدين فما جدوى أن تملكهُ، وإن لم يكن للدين في قلبك وجوارحك مكان، ليكن للخُلق الذي تفرضهُ عليك إنسانيتك قيمة ومكان.

3- القاء الإعلام الضوء على هذه الجريمة، مناقشة أسبابها والتوصل لعلاج لها، أن يكون الإعلام صوت حق للمظلوم لا جاهرًا للظالم بما لا حق له.

4- إشغال النفس بالحق، مثل تعلم حرفة جديدة، مثل قراءة الكتب، ممارسة هواية مفضلة، وغيرها مما يُبعد العقل عن الإنجراف بالتفكير بما يضر، لا نحتاجُ معجزات لنتعلم ونشغل أنفسنا، فالتكنولوجيا لها جانبها الإيجابي الذي إن نحنُ استغللناه كانت لنا ينبوع فائدة وعلم.

5- وظيفة الدولة أن توفر فرص عمل، أن تتيح ما من شأنه تنمية قدرات الشباب واشغالهم بما يعودُ بالنفع عليهم وعلى أوطانهم ومجتمعاتهم.

6- التوعية المجتمعية من شأنها أن تقلل من هذه الظاهرة.

7- تيسير سبل الزواج، فالزواج ليس بهرجة، بل هو علاقة يتشاركها اثنان ليؤسسُ مجتمع قوامهُ قوي، وأساسُ بنيانه الحب والعطاء.

وفي الختام

إننا بحاجة إلى تكاتف أفراد المجتمع كلهم، ومؤسساته التعليمية والتربوية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني والأجهزة الإعلامية، وأجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، من أجل مواجهة هذه الجريمة التي تزداد وتستفحل يوما بعد يوما، وإلا سنكون أمام كارثة حقيقية.

اقرأ معنا أيضاً كيف يمكننا حماية الأطفال من الاعتداء الجنسي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى