في الواقع، يساعد “الخوف من الهجوم الإلكتروني” في تفسير خطة بريطانيا غير المدروسة لزيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية. فهل هذا صحيح؟
لقد أثبتت أخيراً الهجمات الإلكترونية الروسية المتكررة وعمليات الاختراق وسرقة البيانات وعمليات التضليل التي تهدف إلى التأثير على الانتخابات الأمريكية، أنها حمل ثقيل يشكل ضغط كبير لا يستطيع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تحمله. كما أن ما تعتبره واشنطن “لعبة قوى خبيثة للكرملين” في مناطق الصراع الحساسة، من سوريا وأفغانستان إلى أوكرانيا والبلقان، أمرٌ لا يُطاق.
كيف تنظر الدول الغربية للرئيس “بوتين” ونظامه؟
وتتهم الدول الغربية الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بشن حرب على شعبه. في الواقع، تنظر الدول إلى نظام “بوتين” على أنه نظام فاسد على نطاق واسع وبشكل لا يمكن إصلاحه. وصفت بريطانيا الأسبوع الماضي روسيا بأنها “دولة معادية”، وتوافق الولايات المتحدة على ذلك.
السؤال هو، ماذا سيفعل “بايدن” حيال ذلك؟
قد تتضح الإجابة في الأيام القليلة المقبلة. بينما يصرح “بايدن” بأنه لا يزال يأمل في الحفاظ على التعاون في مجالات المنفعة المتبادلة، تسير الحكومتان الآن في مسار تصادمي بعد اندلاع الحرب الدبلوماسية المفاجئة في الأسبوع الماضي. في البداية، وقع الهجوم الإلكتروني الضخم للرياح الشمسية على عاتق موسكو. والآن، يتهم رؤساء المخابرات الأمريكية “بوتين” علناً بالتآمر لقلب انتخابات 2020 لصالح “دونالد ترامب”.
تفيد بعض الأخبار أن “بايدن” غاضب من اكتشاف أن “بوتين” أعطى الضوء الأخضر لجهود شخصيات مرتبطة بروسيا في أوكرانيا لتشويه سمعة ابنه “هانتر بايدن”.
أما ترامب، فاستغل اتهامات الفساد الملفقة وقام بقمع شكوك وكالات التجسس الخاصة به. كما حذّر من أن “بوتين” سيدفع الثمن لتدخله في الانتخابات لعاميّ 2016 و 2020. وعندما تم سؤاله عن تسميم “نافالني” مؤخراً وهجمات أخرى على معارضي النظام، كان فظاً للغاية وقال أن “بوتين” كان قاتلاً.
ردت “موسكو” بغضب وقامت باستدعاء سفيرها، وقد يكون ذلك “ضربة دبلوماسية استباقية”. كما اتهم المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” بايدن بمحاولة تدمير العلاقات الثنائية، بينما حذرت وزارة الخارجية من “تدهور في العلاقات لا رجعة عنه”. يبدو أن رجال “بوتين” يستعدون لعمل أمريكي عقابي.
لسنوات، أفلت “بوتين من القتل (بالمعنى الحرفي والمجازي)، بينما نظر “ترامب” في الاتجاه الآخر. لقد طال انتظار فرض عقوبات فعالة، حتى لو كان ذلك لتجنب المواجهات المستقبلية والانحدار الخطير إلى “صراع مفتوح”. على أي حال، تدفع توقعات الشعب وضرورة احترام الذات “بايدن” للرد بقوة.
لكن ما هي أفضل طريقة لجذب انتباه “بوتين”؟
فرضت الولايات المتحدة عدة عقوبات على روسيا، تعود إلى ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. وشددت يوم الأربعاء الماضي على ضوابط التصدير، وذلك انتقاماً لمحاولة قتل “سيرجي سكريبال” في سالزبوري في عام 2019. وتمت أيضاً معاقبة المسؤولين عن تسميم “نافالني” وسجنه. كل ذلك لم يغير من سلوك “بوتين” وتصرفاته.
يدرك “بايدن” هذا الأمر وربما يمكنه إيجاد طرق جديدة لممارسة الضغط الفعال أو إقناع الحلفاء المترددين بأن يصبحوا أكثر صرامة. في الأسبوع الماضي على سبيل المثال، طالبت الولايات المتحدة ألمانيا مرة أخرى بوقف العمل في مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2”. ومع ذلك، يعتقد “بايدن” أنه يملك الحل.
بينما يُتوقع فرض عقوبات إضافية في هذا الأسبوع، يقول المسؤولون أن الجهود الأمريكية الرئيسية لمعاقبة “بوتين” ستشمل هجمات إلكترونية مدمرة وشبه سرية تستهدف وكالات الاستخبارات الروسية والجيش والشبكات الحكومية.
ناقش “جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي لبايدن، الهجوم الالكتروني القادم بشكل علني. حيث قال لصحيفة
New York Times: “
أعتقد أن مجموعة الإجراءات التي يفهمها الروس، ولكنها قد لا تكون مرئية للعالم الأوسع، من المرجح أن تمثل أكثر التدابير فعاليةً من حيث توضيح ما نحن على استعداد للقيام به“.
ربما يكون هذا القصف الإلكتروني قد بدأ بالفعل، ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيجبر “بوتين” على التفكير مرة أخرى. بالرغم من أن مناورة “سوليفان” تهدف لوضع خطوط حمراء حيال القتال الإلكتروني في المستقبل، إلا أنها قد تنجح فقط في إثبات عدم وجوده في الأصل.
هل يُعتبر الخوف من الهجوم الإلكتروني السبب الرئيسي؟
يساعد الخوف من الهجوم الإلكتروني على تفسير خطة بريطانيا غير المدروسة لزيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية بنسبة 40%. بالإضافة لتقليل عتبة الاستخدام الأول للأسلحة النووية بشكل كبير. ومن الواضح أن هجوماً إلكترونياً يمكن أن يؤدي، من الناحية النظرية، إلى ضربة صاروخية من طراز Trident ضد المسؤولين.
تستدعي الاستفزازات الروسية المستمرة رد فعل قوي. ولكن من خلال إضفاء الشرعية وتصعيد الاستخدام الهجومي لأسلحة الدمار الشامل الالكتروني، يغذي “بايدن” سباق تسليح إلكتروني عالمي بينما يزيد في الوقت نفسه من خطر نشوب صراع نووي. في الواقع، قد لا تكون هذه هي الطريقة الأكثر منطقية لكبح “بوتين”.